إمبريالية التوافق في سورية

إمبريالية التوافق في سورية

15 ابريل 2018
+ الخط -
ليس مستغرباً أن يجد العربي نفسه، منذ عام 2011، خائضاً في مقاربات عن سياسات ووسائل موسكو في المنطقة العربية، خصوصاً الجيل الذي نشأ على نقد العقلية الإمبريالية الغربية التوسعية، بوسائلها القذرة، ومنها الوقوف خلف ذراعها الصهيونية في المنطقة العربية، إلى جانب الصمت والدعم لأنظمة ديكتاتورية استبدادية في العالم، وخصوصاً العربية، لمصلحة تسويق خردة الصناعات العسكرية المتراكمة تحت غبار الزمن، وحلب ثروات الشعوب للبقاء على التخلف باسم تسمية "الدول النامية".


غالبية الاستنتاجات تشير، سواء أردنا أم لا، إلى أننا أمام حقبة جديدة من إمبريالية روسية، بالمعنى الدموي، المتخلف والبدائي، لهمجية غربية غابرة قبل وبعد تطور التوحش الرأسمالي، واستبدال الأدوات في مراحل الاستقلال الوطني العالمثالثي.

ومنذ اندلاع ثورات الربيع العربي، لم يتحفنا "الرفاق في موسكو"، من على كل الشاشات، بلسان الضاد ومحاولي تقليد اللكنة الأميركية، من لينا سيبونينا إلى فيتسلاف ماتوزوف، إلى نائب سفير بوتين لدى الكيان الصهيوني، ليونيد فرولوف، وبقية الجوقة التحليلية والتبريرية، سوى تأكيد ما وراء شواهد الإنكار لكل تفاصيل الدماء العربية في سورية. هذا إلى جانب التلاعب بكل رواية والمثابرة في خلق أوهام، كما في محاولة جلب الأكراد قبل أعوام إلى صفوفهم ثم بيعهم عند أول تجربة مستوحاة من عقلية اليانكي.

حتى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ليست في فمه عبارة سوى "هذا استفزاز" و "تلك فبركة". تساهم بلاده في حملات إبادة وتطهير، ثم من دون أن يرف جفن الكرملين، ومحلليه، الذين يصعب أن تجد بينهم "مستقلاً"، بالمعنى الحرفي والمهني والأكاديمي، يحترم ألا يكون ببغاء يكرر فعلة مصفقي مسرح الديكتاتورية العبثي في عالمنا العربي.

من بين صور تسويق موسكو معاناة الإنسان السوري تحت بند الفبركة وأن كل شيء مختلق وغير واقعي أو منطقي، حتى حين تتكرر معاناة زبد الأطفال واختناقهم بالكيماوي، وبخبرة موسكو السوفياتية والكورية الشمالية، لا يتردد متحدث باسم وزارة الحرب في موسكو، في إخبار العالم بفرح جشع المسوق أن بلاده "جربت أكثر من 200 سلاح جديد...".

لعل التاريخ سيحسم، كما حسمت في ذهنية البشرية صورة أميركية بشعة، تلك الصورة التي خطها باستغباء واستعلائية وعجرفة جوفاء أتباع الكرملين بين العرب، وتحديداً السوريين.
انفصام روسي عجيب...

في كل القصف الكيميائي الذي شهدته دوما، وأخواتها سابقاً، لم يستطع الروس سوى العيش على حالة الإنكار الاعتيادية. وببعض انفصام، وكثير من السقوط الأخلاقي، سيقت روايتان لم تستدعيا أية استفسارات من معسكر التكرار الببغائي لرواية الآلة الدعائية لموسكو.

في التحضير الترامبي، لإشهار البراءة من تهم العلاقة ببوتين، وبعنوان مكرر قاله سلفه، أوباما، وغيره من الغربيين عن "خطوط حمر"، برزت الروايتان الروسيتان المستهزئتان بكل منطق سليم:

الأولى، الخوذ البيضاء فبركت المسرح والصور، وخبراء وجنود روسيا لم يعثروا، بعد دخول دوما، على أية أدلة في التربة تؤكد استخدام كيميائي فيها.

الثانية، ترداد سمج وسخيف يناقض الأولى. فالغرب، وعلى رأسه أميركا أوعز للعملاء القيام بواقعة الكيميائي، وأيضاً إن ترامب يريد أن يقصف ليدمر أدلة مسرح الجريمة في دوما...

ليس مستغرباً البتة أن تخرج أوركسترا المعزوفة الروسية إياها، وبلسان عربي، سواء على شاشات الممانعة في بيروت أو الروسية على الجزيرة في الدوحة، لتكرر ذات الصفاقة، من دون أن ينقطع نفسها أو يوخز ضميرها ولا صورة من الصور المتكررة على امتداد الجغرافيا السورية منذ 2011، السنة التي حشر فيها لافروف أنفه أيضاً في لغة طائفية عن من يجب أن يحكم سورية.

في التاريخ الحديث، نتذكر أسماء على وزن الليكودي الأميركي دانييل بابيس، وكل معسكر العنجهية والاستعلائية، التي لا يبدو أن صهر ترامب، جاريد كوشنر، مفضل الرفيق بوتين، من بين مفضلاته الفاشية والقومية المتطرفة في الغرب، من لوبين إلى أمثال الروسي أفيغدور ليبرمان عند حلفائه الحقيقيين في تل أبيب، فإذ بموسكو تتجاوزهم في التطرف، ولو تحت مسمى "استشراق"، بقراءة مشتركة مع الحركات الفاشية الغربية للربيع العربي، بمعية معسكر عربي يعرف، الجميع غرضه من الثورات المضادة، اصطفافاً وتفضيلاً للاستبداد، كما دأبهم، بجملة بسيطة: نتمنى أن تسحقكم الأنظمة وأن تبقوا كما أنتم غرقى التخلف والتأخر... فلا ديمقراطية في المنطقة سوى ربيبتنا وحبيبتنا إسرائيل التي نحن مستعدون للدفاع عنها بأهداب عيوننا.

أعود لأقول، سيكون مرهقاً بالفعل لموسكو أن تسوق بروباغندا: عاشت الصداقة السوفيتية (الروسية اليوم)-العربية" بينما يتفاخر زبانيتها وفاشييها ومرتزقتها بحممها الممهدة لكل عصابات الارتزاق، تارة باسم المقدس، في مقامات دينية، وأخرى بحجة الإرهاب، وبكثير من الكذب بحثاً عن "طريق القدس" في معسكر الفرجة على دماء الفلسطينيين.

فلا فرق في هذه وتلك، بينها وبين الإجرام الأميركي. والعبرة تكمن في ما ينطق به نائب سفيرها في تل أبيب عن حقيقة موسكو ووقوفها دفاعاً عن الاحتلال. لكني أشك أن الدرس المتأخر سيدركه حسن نصر الله، الذي يضعه الروس دائماً على طاولة المفاصلة، فهو الممجد منذ اللحظة الأولى لما سمته قناته، المنار، "عاصفة السوخوي". وإن كان بدأ بإيعاز من طهران يعرف حجم ما حضرته له عقلية التاجر المسوكوفي في الكرملين، فـ"أبو علي تين" لم ولن يكون من "أهل البيت" إطلاقاً.

تطبيل باسم الأكاديميا...
منذ سقوط وتفكك الاتحاد السوفياتي وأنت تبحث عن شخصية روسية واحدة بحجم حتى أقل من نعوم تشومسكي، لتقول لك شيئاً مختلفاً عن بروباغندا الكرملين وأكاذيبه التي تعود لتذكرنا بحقبة النابالم والفانتوم الأميركي، وهذه المرة بزيادة الكيميائي لتحرق وتدمر. وهي تظن أن عقيدتها الشيشانية ستحميها من بروز عربي آخر، بغير العقل الخانع من المحيط إلى الخليج.

يقيناً، إن الخاسر هو الكرملين الذي ربط مصالحه بشخص بشار الكيماوي، وبتدمير طائراتها مدن السوريين، والاشتراك بتهجيرهم جنباً إلى جنب مع طهران الساعية بكل وقاحة لـ"تثبيت الهيمنة الإمبراطورية الفارسية"، وتلامذتها الذين لا يهمهم من صور دمار وموت السوريين اختناقاً سوى أن "لا تقصف أميركا مراقدنا المقدسة".

وفي خانة أصدقاء موسكو وأتباع طهران من القومجيين واليساريجيين العرب في بيانات "توعد" الإمبريالية الأميركية، وهم جالسون في أحضان إمبرياليات أخرى، لن يكون للزعيق فوائد... فقد فضحت الصورة عن آخرها.

دلالات